شيماء محمد تكتب: السلحفاة ذات القبعة
في غابةٍ وارفةِ الظلال…بين أشجارٍ شامخةٍ .. وجداول واسعةوأمطار ..عاشت سلحفاة هادئة الطباع…طيبة القلب… لكنها تميزت بقبعةٍ تُشعُّع بالألوان….كأنها زهرةٌ فوق رؤوس الأغصان.
كانت قبعة السلحفاة تحفةً من الطبيعة… مزينةً بريش الطيور والأزهار … تلفت الأنظار وتُثير الحنين... وحينما تمرُّ بين المخلوقات. كانت تلتفُّ حولها الهمسات:
"كيف لسلحفاةٍ بطيئةٍ أن تملك قبعةً بهذه البهجة؟ أليس الجمالُ حريًّا بالسريعِ النشيط، لا البطيء النكرة؟"
اجتمع الثعلبُ والنمسُ والبومة في ليلةٍ مُعتمةٍ بلا نجوم….وتآمروا تحت ظلال الغيوم… قال الثعلبُ بخبثٍ…هذه القبعةُ تُضيءُ رؤوسنا إن أخذناها… وتُبهج أيامنا إن سرقناها… أما السلحفاة البطيئة، فليست جديرةً بهذا الجمال."
واتفقوا على تنفيذ الخطةِ في ظلام الليل....حين ينام الجميعُ بسلام...
حينما استلقت السلحفاة تحت شجرةٍ وادعة… جاء الثعلبُ ومزّق الأوراق… فقلق سلامها ....ومن ثم ظهرت البومة وفزعت منامها….فتتبعهم النمسُ ليختطف القبعة... حاولت السلحفاة الدفاع عن حقها ... لكنها بطيئةٌ وضعيفة...فخدشها ..وصوتها اختنق بين الأشجار...
صاحت بألمٍ وانكسار
"لماذا تؤذونني؟ هل القبعةُ تستحقُّ هذا الجور والعدوان؟ أم أن قلوبكم غارقةٌ في الطمع والنسيان؟"
بعد أن أخذوا القبعة عنية .. حملها الثعلب بعناية ..قائلا انا من يستحقها ..ولكنها كانت ضئيلة …..فارتداها النمس بتفاخرٍ ولكنها لم يستطع ارتدائها فصار فى حيرة.. ..فهرعت البومة معلنة ..الحق كل الحق لى انا.. لكنها لم تبدُ ابدأ جميلةً . ..بدت القبعة بلا حياة ولا قيمة… كأنها فقدت بريقها وجمالها... أدركوا أن ما صنع الجمال ليس القبعة نفسها.. بل الطيبة التي كانت في قلب السلحفاة..
فصاحت البومة ...وان لم تكن تناسبنا ..لا يعنى هذا ان تستحقها السلحفاة..
وهنا اتفقوا الثلاثة ..على مواصلة الايذاء.. فأخفوها..
وفى الصباح استيقظت السلحفاة مذعورة..تتذكر ما حدث فى تلك الليلة المنكوبة ..وزحفت رغم آلامها للأسد الحكيم ..فربما يستطيع ان يرد لها حقها...
وبالفعل استمع لها..ولكنه استنكر ..فهى بطيئة لا تمثل تهديد للنمس فهو اسرع ..ولا تستطيع ان تسبق البومة وهى لا تطير ..ولا تفوق الثعلب دهاء..
فلماذا يحيكون لها مؤمراة فى الخفاء..
فقام بطردها ولم يستمع حتى لها ..
وعبرت النهر وهى تدارى جراحها ..
فاصبح جرح كرامتها اضافة جديدة لها..
وهنا قفز الضفدع أمام الاسد معلناً..انه راى ما حدث وظل صامتاً..
وقص عليه ما حدث..واستمع الاسد بريبة وشفقة ..ما اقدموا عليه هولاء الحمقى ..
فارسل فى طلبهم ليمتثلوا ..
واخبرهم ان السلحفاة تعرضت للسرقة ..ومن منهم سيكون البطل ويرد لها ما سرق منها..
وهنا تدافعت البومة قائلة وكيف نعلم ايها الملك..فقال لها انتى تملكين نظرا ثاقب..
يقيكى دوماً شر المخاطر ..وتدخل الثعلب فما دورى انا..حدثه الاسد معاتبا ..وهل دهاءك لا يكفى ..احزر معى من فعلها..
فانسحب النمس متواريا .فنظر له الاسد ..الى اين انت ذاهب ..فانا بحاجه لشجعاتك وسرعتك يا ذو المخالب.
فابتسموا الجميع متفاخرين..وصاحت البومة انها سوف تاتى بالقبعة وان يوكل المهمة لها ..ثم قاطعها الثعلب بأنه من يستطع بسهولة ايجادها..وصاح النمس ان بمخالبه يستطيع الحفر حتى يصل لها..
وهنا هز راسه الأسد..وقال كم انتم الان متحمسين..
فكيف بثلاث فى قوتكم ان تقهروا حق المسكين...
فانتم من قهرتوا السلحفاة وسرقتوها ..
والا فكيف عرفتوا بأن القبعة هى المسروقة..
ولكن السارق الحقيقى ليس انتم ..بل السلحفاة من سرقت منكم ...السلام ..
..اذهبوا اليها ..واذا سامحتكم ..سوف أعفى عنكم ..
نظروا الى بعضهم البعض ...متحسرين ..على فعلتهم..نادمين ..وصاحوا
..
أعمَتنا الغيرة، فخسرنا السلام
وعادوا اليها نادمين على فعلتهم ..وحقدهم المشين..فنظرت إليهم بعينيها الهادئتين….وبرغم جراحها وآلامها، وقالت:
"الجمال ليس فيما تملكون، بل في قلوبكم وما تمنحون. طهّروا أرواحكم من الغيرة، تجدوا السعادة في ما لديكم."
تعافت السلحفاة بعد وقتٍ طويل… لكن الغابة لم تنسَ أبدًا هذا الدرس الجليل… الغيرة نارٌ تأكلُ صاحبها قبل أن تُؤذي غيره…والطمع يقتل الفرح….بينما القلوب النقية هي التي تصنع الجمال والسلام.
ومنذ ذلك اليوم…عاشت السلحفاة في غابتها... وصارت قبعتها رمزًا للتسامح ..
وهنا دعونا نتأمل ..كم منا يمتلك قبعة تثير الغيرة..ومن منا..كان يأمل ان الأسد يرد له الحقوق ..ويبعد عن طريقه كل ظالم حقود...وكم منا نجح فى ان يسامح ...
وفى النهاية ليست القبعة ما تزين القلوب ..ولكن الافعال المخلصة هى من ينير لنا الدروب..
تعليقات
إرسال تعليق