U3F1ZWV6ZTEzNjM0ODAyMTA5OTkwX0ZyZWU4NjAyMDEyMTgzODkw

ابن القطاع أم كفاءة الدولة



كثرت في الآونة الأخيرة بعض الأراء والانتقادات التي تهاجم السيد وزير البترول، وتتهمه بأنه لا يُقدّر القامات السابقة، ولا يتفاعل وجدانيًا مع رموز ووزراء القطاع عبر تاريخه، فقط لأنه لم ينشأ داخل القطاع، ولم يتدرّج في مؤسساته، وعمل سنوات طويلة خارج مصر.

وهنا يبرز السؤال الجوهري:

منذ متى أصبح العمل خارج الوطن أو خارج القطاع تهمة؟

ومنذ متى صرنا نصنّف أبناءنا بين “ابن قطاع” و“خارج عن القطاع” وكأننا نتحدث عن انتماءات متناحرة لا عن وطن واحد؟


إن اختيار القيادة السياسية للسيد الوزير كريم بدوي لم يكن مصادفة، ولا مجاملة، بل كان اختيارًا موفقًا وقرارًا سياسيًا ذكيًا في توقيت بالغ الحساسية. فالدولة كانت – ولا تزال – في حاجة إلى شخصية تفهم عقلية الشريك الأجنبي، وتتحدث بلغته، وتفاوضه بعقليته، بعد أن بدأ كثير من الشركاء في التراجع عن السوق المصري تحت ضغط الظروف الاقتصادية.


وكان من الضروري، في تلك اللحظة تحديدًا، أن يأتي وزير يحمل خبرة دولية حقيقية، تشكّلت داخل شركات عالمية كبرى، ويستطيع أن يقف أمام المستثمر الأجنبي لا بصفته موظفًا محليًا، بل شبه شريك يفهم قواعد اللعبة الدولية. وهذا تحديدًا ما يفسّر الاختيار.


أما تحويل هذا الأمر إلى اتهام، أو تصويره كعداء لتاريخ القطاع، فهو خلط متعمد بين أمرين مختلفين:

الاحترام للتاريخ، والقدرة على إدارة الحاضر.


الوزير ليس مطالبًا بأن يردد أسماء السابقين، ولا أن يخاطب الوجدان قبل أن يخاطب الأرقام. هو مسؤول عن الإنتاج، والاستثمار، وجذب الشركاء، وتحقيق نتائج ملموسة. وهذه ليست إساءة للتاريخ، بل قراءة مختلفة لطبيعة الدور.


الأخطر من ذلك، هو تصاعد خطاب الفرز والعنصرية المهنية داخل القطاع، حيث يُنظر بريبة إلى كل من عاد بخبرات عالمية ليخدم وطنه، فقط لأنه “لم يتربَّ داخل القطاع”.

وهنا نطرح سؤالًا أكثر وضوحًا:

إذا كنا نستقدم خبراء أجانب، وندفع لهم ملايين الدولارات للاستفادة من خبراتهم، فكيف نُجرّم أبناءنا الذين اكتسبوا خبرات مماثلة – أو أكبر – ثم عادوا بها إلى وطنهم؟

هؤلاء لم يأتوا من كوكب آخر.

هم أبناء هذا البلد، درسوا في جامعاته، وتعلّموا على أيدي علمائه، وعملوا في شركاته قبل أن يسافروا، ثم عادوا بخبرات تراكمية عالمية. وتصنيفهم كـ“خارجين عن القطاع” لا يخدم إلا هدفًا واحدًا: إضعاف القطاع من الداخل.

القطاع البترولي لا ينهض بالحنين وحده، ولا بالتاريخ وحده، ولا بالأرقام وحدها.ولكن ينهض بالتكامل خبرة الداخل +معرفة الخارج

الذاكرة + التخطيط

التاريخ + المستقبل

أما استمرار ترديد مقولات “ابن القطاع” و“الخارج عنه” فهو خطاب انقسامي، يفتّت الصف، ويهز أركان قطاع نحن في أمسّ الحاجة فيه إلى التماسك، لا إلى تصفية الحسابات.الاختلاف في الرؤية مشروع.

النقد مطلوب.

لكن اللعب على أوتار الانقسام في هذا التوقيت، وبمثل هذه اللغة، لا يمكن تفسيره إلا كرغبة في زعزعة الثقة، لا في الإصلاح

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق






الاسمبريد إلكترونيرسالة