U3F1ZWV6ZTEzNjM0ODAyMTA5OTkwX0ZyZWU4NjAyMDEyMTgzODkw
الأرواح تُزهق.. والحفارات تسقط: من يحاسب شركات الفحص فى قطاع حفر الآبار؟
شهد قطاع حفر الآبار النفطية فى مصر خلال عام واحد فقط عددًا مقلقًا من الحوادث الخطيرة التى وقعت على الحفارات البحرية والبرية، وأسفرت عن وفيات شباب فى عمر الزهور، ومفقودين فى البحر، وإصابات جسيمة هزّت الوسط البترولى.
ورغم تعدد الأسباب الفنية والظروف التشغيلية، إلا أن أصابع الاتهام تتجه إلى ثغرة ضخمة فى سلسلة السلامة: شركات الفحص والتفتيش التى تمنح شهادات الصلاحية للحفارات ولمعدات الرفع والحفر دون الالتزام بالمعايير أو تطبيق اللوائح.
شركات فحص بلا خبرة… وشهادات جاهزة دون معاينة
مصادر من داخل القطاع كشفت أن بعض الشركات المكلّفة بإجراء الفحوصات الدورية تمتلك خبرة محدودة جدًا، ولا تملك حتى الأجهزة القياسية اللازمة لاختبار معدات الرفع وأنظمة الحماية. الأسوأ من ذلك، أن بعض هذه الشركات تمنح شهادات صلاحية دون أن تطأ قدم مهندسيها الحفار أصلًا.
وفى حالات أخرى، يتم إرسال فنيين لزيارة الحفار أو اليارد، لكن عمليات الفحص تتم بشكل صوري دون الالتزام بالمواصفات القياسية العالمية مثل API و IADC و Lifting Standards، ما يجعل نتائج الفحص غير موثوقة إطلاقًا.
بحث عن الأرخص… على حساب أرواح العاملين
بدلًا من اختيار شركات فحص معتمدة ومعروفة بكفاءتها، تلجأ بعض الشركات والأوناش إلى أرخص مقدّمى الخدمة فقط، دون النظر إلى جودة عمليات التفتيش.
النتيجة: شهادات بلا قيمة، ومعدات غير صالحة للعمل، وحوادث كان يمكن تجنبها لو تم الالتزام بمعايير السلامة.
الأخطر أن بعض شركات الحفر – بحسب العاملين – تنفذ الفحص عبر أفراد من داخلها ثم تستخرج شهادات من جهات أخرى لتبدو الورق سليمة بينما الواقع مختلف تمامًا.
غياب الرقابة… ثغرة تفتح الباب للكوارث
الوضع الحالى يكشف بوضوح غياب الرقابة الفعالة من على شركات الفحص فى مصر. فلا توجد متابعة دورية، ولا تدقيق على خبرات المفتشين، ولا مراجعة علمية للمعدات المستخدمة فى الاختبارات.
وبالتالى، أصبح كل من يمتلك “جهازين” أو ورشة بسيطة قادرًا على تقديم نفسه كجهة فحص معتمدة، وهو ما يعد خللًا خطيرًا فى منظومة يفترض أن تكون من الأكثر دقة وحساسية نظرًا لما تمثله من مخاطر.
دول كبرى وضعت السلامة أولًا… لماذا نتأخر؟
فى دول مثل الكويت والسعودية وأبوظبى تُعتبر عمليات الفحص والتفتيش على الحفارات من أعلى مستويات الرقابة فى العالم.
فلا يبدأ أى حفار العمل إلا بعد اجتياز عشرات الاختبارات الدقيقة من شركات عالمية معتمدة وتحت رقابة صارمة، وهو ما خفّض معدلات الحوادث إلى مستويات شبه معدومة.
الأرواح أغلى من العقود
ما يجرى حاليًا يمثل تهديدًا مباشرًا لأرواح شباب يعملون فى أصعب الظروف ويخدمون اقتصاد بلدهم. كما يمثل خسائر مالية ضخمة ناجمة عن سقوط أو غرق حفارات كل عام.
إن التدخل الفورى أصبح ضرورة وليس خيارًا. وفى مقدمة الإجراءات المطلوبة:
1. إلزام شركات الفحص بالحصول على اعتماد دولى معترف به.
2. تشكيل لجان رقابية من الوزارة لمراجعة كل شهادة تصدر.
3. وقف التعامل مع أى شركة فحص يثبت تقصيرها أو منحها شهادات دون فحص.
4. تطبيق معايير السلامة العالمية (API – IADC – LOLER – LEEA) بشكل كامل.
5. حماية العاملين بفرض فحص دورى صارم على كل معدة قبل دخولها الخدمة.
ختامًا… الأرواح لا تعوّض
من غير المقبول أن تستمر الحوادث بنفس الوتيرة فى قطاع يُعد من أهم وأخطر القطاعات فى مصر.
وحماية العاملين ليست رفاهية، بل واجب وطنى وأخلاقى واقتصادى.والتحرك الآن قد يكون الفارق بين حياة وموت… وبين حفار
إرسال تعليق