U3F1ZWV6ZTEzNjM0ODAyMTA5OTkwX0ZyZWU4NjAyMDEyMTgzODkw
د. صفاء سعد تكتب: السر الثاني: ضع مشاعرك تحت السيطرة
تحدثنا في المقال السابق من سلسلة أسرار نفسية عن السر الأول: حصّن ملعبك العقلي، وكيف أن النضج الحقيقي يبدأ من وضع حدود واضحة تحمي تفكيرك وطريقتك في التعامل مع الآخرين. لكن حماية العقل وحدها لا تكفي، فهناك جانب آخر أكثر حساسية، وهو المشاعر. هذا الجانب حين يتم اختراقه، يصبح الإنسان أكثر عرضة للتأثير، وأكثر ميلًا للتصرف تحت ضغط، وكأنه فقد السيطرة على نفسه دون أن يشعر.
ومن أكثر اللحظات التي يظهر فيها هذا الاختراق لحظة الغضب. كثيرون يظنون أن الغضب لا يمكن السيطرة عليه، وأنه انفجار يحدث رغماً عنهم، لكن ما لا يدركه البعض هو أن فقدان الأعصاب يجرّد الإنسان من هيبته وثباته، ويجعله رهينة تصرفات لا تعبر عن حقيقته. ولأن فهم الغضب هو أول خطوة للتحكم فيه، من المهم أن نعرف ماذا يحدث داخل أجسادنا في تلك اللحظة.
الغضب شعور طبيعي يظهر عندما يشعر الإنسان بالظلم أو الخداع أو التهديد أو الإحباط. وفي اللحظة التي يلتقط فيها العقل هذا الإحساس بالخطر، يبدأ الجسد في التحول إلى وضع الاستعداد، فيرتفع الأدرينالين وتتسارع ضربات القلب وترتفع حرارة الجسم وتتشنج العضلات ويتغير المزاج. إنها استجابة تلقائية، لا تخضع لإرادة واعية، وقد تدفع الإنسان إلى كلمات أو أفعال يندم عليها بمجرد أن يهدأ.
ومع تكرار المواقف الضاغطة دون القدرة على التفريغ، تبدأ المشاعر في التراكم داخل الجسد. وهذا ما يفسر لماذا قد يشعر البعض بآلام مستمرة لا يجد لها الطب تفسيرًا عضويًا؛ فالضغط يتراكم في الأكتاف، والغضب في أسفل الظهر، والخوف في المعدة، والقلق في الرقبة، أما مشاعر الفقد والرفض فتظهر في الرأس، والعصبية تطفو في القولون. إنها طريقة الجسد لإخبارنا أننا لم نعد قادرين على احتمال المزيد.
ولكي نضع مشاعرنا تحت السيطرة، لا نحتاج إلى قوة خارقة، بل إلى لحظة واحدة نؤجل فيها رد الفعل. أن نمنح أنفسنا فرصة للتنفس قبل الكلام، وأن ندع الذهن يستعيد وضوحه قبل اتخاذ أي قرار نندم عليه. وعندما تهدأ العاصفة الداخلية، يصبح التعبير عن الانزعاج أسهل وأكثر عقلانية، دون اندفاع أو صدام. ثم تأتي الحركة كمنفذ طبيعي للطاقة الزائدة، فالمشي السريع أو الجري أو التمارين البسيطة تساعد الجسد على تفريغ ما تراكم فيه من توتر، وتعيد للعقل قدرته على التفكير بهدوء.
وفي نهاية الأمر، ليست المشكلة في الشعور بالغضب، بل في طريقة التعامل معه. السيطرة على المشاعر ليست قمعًا لها، بل إدارة ناضجة للذات، تسمح لك بأن تفكر قبل أن تنفعل، وأن تعبّر قبل أن تنفجر، وأن تخرج طاقتك قبل أن تتحول إلى ألم. وعندما تصل إلى هذه المرحلة، ستدرك أنك لم تعد تابعًا لمشاعرك… بل أصبحت أنت صاحب القرار.
إرسال تعليق